فصل: المقدمة الأولى: في لفظها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


كتاب المساقاة

وفيه مقدمتان وبابان‏:‏

المقدمة الأولى‏:‏ في لفظها

وهي مشتقة من السقي؛ لأن غالب عملها يكون فيما يسقى بالدواليب والدلاء، ولفظها مفاعلة‏:‏ إما من المفاعلة التي تكون من الواحد وهو قليل نحو سافر وعافاه الله، وطارقت النعل، أو يلاحظ العقد وهو منهما فيكون من التعبير بالمتعلق عن المتعلق، وإلا فهذه الصيغة تقتضي أن كل واحد من العامل والمالك يسقي لصاحبه كالمضاربة والمقاتلة ونحوهما‏.‏

المقدمة الثانية في مشروعيتها‏.‏

وبجوازها قال‏:‏ ‏(‏ش‏)‏ وأحمد، ومنعها ‏(‏ح‏)‏ لنهيه عليه السلام عن المخابرة، وهي مشتقة من خيبر أي نهى عن الفعل الذي وقع في خيبر من المساقاة، فيكون حديث الجواز منسوخا، أو يسلم عدم نسخه ويقول كان أهل خيبر عبيدا للمسلمين، ويجوز مع العبد ما يمتنع مع الأجنبي، والذي قدره عليه السلام من شطر الثمرة وهو قوت لهم؛ لأن نفقة العبد على المالك، ولنهيه عليه

السلام عن بيع الغرر - وأجرة الأجير فيها غرر، ولأن الخبر إذا ورد على خلاف القواعد رد إليها، وحديث الجواز على خلاف ثلاث قواعد‏:‏ بيع الغرر، فإن الثمن المبيع مجهول الصفة والمقدار، وإجارة بأجرة مجهولة، وبيع الثمر قبل بدو صلاحه - والكل حرام إجماعا، وبالقياس على تنمية الماشية ببعض نمائها‏.‏

والجواب‏:‏ عن الأول‏:‏ أن العرب كانت تعرف المخابرة قبل الإسلام، وهي عندهم كراء الأرض بما يخرج منها مأخوذة من الخبرة التي هي العلم بالخفيات، ولذلك ما تمدح الله تعالى بها إلا بعد التمدح بالعلم، كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏عليم خبير‏)‏؛ لكونها أمدح، فإن إدراك الخفي أفضل من إدراك الجلي، والحراث يخرج خفيات الأرض بالحرث، فاشتق ذلك لكراء الأرض لتحرث بجزء ما يخرج من المحروث وقيل‏:‏ الخبرة الحرث والمخابرة مشتقة منه، ومنه سمى المزارع خبيرا‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أنهم لو كانوا عبيدا امتنع ضرب الجزية عليهم وإخراجهم إلى الشام ونفيهم في أقطار الأرض، لئلا يكون تضييعا لما فيهم من مال المسلمين‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أن حديث الجواز وهو ما في البخاري‏:‏ عامل عليه السلام أهل خيبر على شطر ما يخرج من ثمر وزرع، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر، ثم أجلاهم عمر إلى تيما وأريحا – خاص، وحديث النبي - عن الغرر عام، والخاص يقدم على العام، وكيف يتخيل أنه مفسوخ وقد عمل به الصحابة رضوان عليهم بعده عليه السلام، والعمل بالمنسوخ حرام إجماعا‏.‏

وعن الرابع‏:‏ أن الخبر إنما يجب رده للقواعد إذا لم يعمل به، أما إذا عمل به قطعنا بإرادة معناه فيعتقد، ولا يلزم الشارع أنه متى شرع حكما شرعه مثل غيره، بل له أن يشرع ما له نظير وما لا نظير له‏.‏

وعن الخامس‏:‏ الفرق بأن المواشي لا يتعذر بيعها عند العجز عن الإقامة بها بخلاف الزرع الصغير والثمرة، وهو معارض بالقياس على القراض‏.‏

الباب الأول في أركانها

وهي خمسة‏:‏

الركن الأول والثاني المتعاقدان‏.‏

ويشترط فيهما أهلية الإجارة، وفي الكتاب تجوز مساقاة أحد الشريكين الآخر قياسا على الأجنبي، وللوصي مساقاة حائط الأيتام لغيره كبيعه وشرائه لهم، وللمأذون دفع المساقاة وأخذها ولَه مساقاة أرضه وليس للغرماء فسخها؛ لأنها تنمية كالبيع والكراء، ولو ساقى أو أكرى بعد قيامهم فلهم فسخ ذلك؛ لأنه يمنعهم من البيع بالمساقاة‏.‏ قال اللخمي‏:‏ إن ساقى قبل قيامهم بعقد يمنع ببيع الرقاب، فلهم الرد في الكراء والمساقاة؛ لاتهامه في منعهم، وإذا كان في يديه ما يوفي الدين فهلك بعد المساقاة، لم ترد المساقاة قبل أمدها أو قبلها فلهم بيع الحائط دون نقض المساقاة - قاموا قبل العمل أو بعده فيباع على أنه مساقى وليس باستثناء الثمرة، قاله‏:‏ ابن القاسم، وقال غيره‏:‏ يمنع البيع ويبقى موقوفا، إلا أن يرضى العامل بترك المساقاة، فإن كانت عاما واحدا والثمار مزهية جاز بيع الأصل اتفاقا، ويباع نصيب المفلس منفردا إن كان أرجح، وإلا بيع مع الأصل، وإن كانت الثمار مأبورة جاز بيع الأصل اتفاقا، ويختلف في إدخال نصيب المديون في البيع مع الأصل‏:‏ أجازه ابن القاسم ولم يجعله استثناء لنصيب العامل؛ لأنه لم يدخل في البيع لتقدم بيعه بالمساقاة، وإذا أراد تأخير الثمار لتتم فيتوفر ثمنها، ومنع الغرماء ذلك قدموا لحقهم في البيع، وإن لم تكن الثمار مأبورة فعلى قول ابن القاسم يجوز بيع الرقاب ونصيب العامل، بخلاف ما لم يعقد فيه المساقاة، وعلى قول غيره يوقف بيع الأصل والثمرة؛ لأن عنده يمتنع استثناء بعض الثمرة، وكذلك إذا كانت المساقاة نحو أربع سنين يجوز عند ابن القاسم بيع الرقاب ونصيبك دون نصيب العامل، وعلى قول الغير يمتنع مطلقا، قال ابن يونس‏:‏ قوله في الكتاب ليس لهم الفسخ هو على قول من يجيز بيعه، وعلى قول من يمنع قبل الإبار لهم الفسخ - إذا كان يحل دينهم قبل جواز بيعها؛ لأنهم يمتنعون بالمساقاة من البيع‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب للمريض أن يساقي نخله إلا أن يحابى فيكون ذلك في ثلثه، قال ابن يونس‏:‏ قيل‏:‏ يمتنع أن يساقي على الورثة أكثر من الثلث، فإن كان الحائط أكثر من الثلث وساقاه سنة ونحوها فيما يجوز بيع النخل إليه جاز، إلا أن يكون فيها محاباة لا يحملها الثلث، كمساقاة على ثلاثة أرباع ومساقاة مثله الربع، فقد أوصى له بالنصف فخير الورثة بين إمضائه أو يقطع له ثلث مال الميت ويكون لهم عدم الإجازة كوصية بخدمة عبده عشر سنين وهو لا يحمله الثلث ويحمل خدمته؛ لأنه عون عليهم أكثر من الثلث فيخيروا بين الإجازة ودفع الثلث بتلا، قال اللخمي‏:‏ قال سحنون‏:‏ إذا زاد على مساقاة مثله بأمر بين، فهو كهبته يوقف السقي إلى ما لا يطول ولا يضر، فإن صح نفذ، وإن مات وحمل ثلثه الحائط نفذ، وإن لم يحمله وحمل المحاباة خير الورثة بين الإجازة وبين قطع الثلث له بتلا، وتستحب المساقاة، ولا يمكن العامل حالة الوقف من السقي، فإن خيف على الحائط فسخت المساقاة قبل الصحة والموت‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب يكره عملك عند النصراني مساقاة؛ لأنه استيلاء على المسلم بملك منافعه، ويجوز أن تساقيه إن أمنت أن يعصر نصيبه خمرا‏.‏

الركن الثالث‏:‏ ‏(‏العمل‏)‏، وفي الجواهر شرطه الاقتصار على عمل المساقاة ولا يضم إليه عملا آخر، لئلا يكون ذلك الآخر إجارة بأجرة مجهولة لغير ضرورة، وإن استبد العامل بالعمل فلا يشترط مشاركة المالك له فيه، لئلا تكثر الجهالة في العمل - وقاله أحمد و‏(‏ش‏)‏‏.‏ وقال سحنون‏:‏ إذا كان الحائط كبيرا يجوز اشتراط الغلام فيه، جاز اشتراط عمل المالك قياسا على الغلام‏.‏ وقال عبد الحق‏:‏ ليس الغلام كالمالك؛ لأن يد المالك إذا بقيت لم يرض بأمانة العامل، بخلاف الغلام، ويجوز اشتراط غلام المالك كمساقاة عاملين إذا كان الحائط كبيرا واشتراط بقاءه مدة المساقاة؛

لينضبط العمل، وأنه إن مات قبل ذلك أخلفه‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب تجوز مساقاة النخل وفيها ما لا يحتاج إلى السقي قبل طيبه، قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ تجوز في كل ذي أصل من الشجر ما لم يحل بيع ثمرها فيمتنع؛ لانتفاء الضرورة حينئذ، ولا تجوز إلا إلى مدة معلومة، ولم يتعرض في الخبر لها؛ لأنه قصد بيان جوازها، وقاله‏:‏ ‏(‏ش‏)‏ وأحمد تقليلا للجهالة، بخلاف القراض تأجيله يبطل حكمته، وقيل‏:‏ لا يحتاج إليها؛ لأنها من جداد إلى جداد - كالقراض من محاسبة إلى محاسبة، وقد قال مالك‏:‏ الشأن فيها الجداد وإن لم يؤجلاه‏.‏

فرع‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ قال سحنون‏:‏ منتهى المساقاة في الثمر جداده بعد إثماره، وفي التين والكرم قطافه ويبسه، وفي الزرع تهذيبه، قال مالك‏:‏ فإن تأخرت نحو العشرة من النخل أو الشجر فعليه سقي جميع الحائط حتى يجد ما بقي ويسقى في الأجناس المختلفة كالنخل والرمان حتى يفرغ الجميع‏.‏ وقال مطرف‏:‏ كلما قطعت ثمرة انقضت مساقاتها – قلت‏:‏ أو كثرت تشبيها للأصناف بالحوائط‏.‏ قال مالك‏:‏ وإذا دخل الحائط سيل فاستغنى عن الماء فلا تحاسبه بذلك‏.‏

فرع‏:‏ قال اللخمي‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا هارت بئرك، جاز لجارك أخذ حائطك مساقاة يسقيه للضرورة، قال سحنون‏:‏ إذا كان يسقي بفضل بئره؛ لأن لك أخذه منه

كرها، فلم تزد المساقاة شيئا، ثم منعها سحنون؛ لأنك إنما تأخذ الماء حتى تصلح بئرك، وههنا تترك إصلاح البئر لمائه‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب له اشتراط ما في الحائط يوم العقد من الرقيق والدواب، ويمتنع اشتراطك نزع ذلك منه؛ لأنها زيادة اشترطتها لنفسك إلا أن تكون تدعيها قبل ذلك، ولا يشترط عليك ما لم يكن فيه عند العقد إلا ما قل كغلام أو دابة في حائط كبير؛ لأنه كزيادة تختص به، وفي الحائط الصغير الذي تكاد تكفيه الدابة يصير جملة العمل عليك، ولا يشترط إخلاف ما جاء به من الدواب أو الرقيق؛ لأنه لم ينزع من أهل خيبر ولم يعطهم، وما كان يوم العقد، فخلفه عليك؛ لأنه عليه دخل، ويمتنع اشتراطك خلفه عليه؛ لأنها زيادة تختص بك وتبقى بعد المساقاة، وعليه نفقة نفسه ودواب الحائط ورقيقه وجميع المئونة - كان الرقيق لك أو له، ويمتنع اشتراط نفقتهم عليك؛ لأن العمل عليه فعليه نفقة العاملين، وقاله‏:‏ ابن حنبل‏.‏ وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ نفقة غلمانك عليك؛ لأنهم ملكك إلا أن يشترط إخلافهم، وعليه الحصاد والدراس والجداد، وقاله ‏(‏ش‏)‏ وأحمد، وإن شرطت قسمة الزيتون حبا جاز، أو عصيرا جاز، ولا يشترط عليك حرم النخل؛ لأنه عليه والتلقيح عليه، ويجوز اشتراطه عليك، قال ابن يونس‏:‏ على العامل النفقة والمئونة والدواب والدلاء والحبال وأداة الحديد ونحوها؛ لأنها أسباب صلاح الثمرة وقد التزم إصلاحها إلا أن يكون في الحائط عند العقد؛ لأنه دخل عليه، وقال ‏(‏ش‏)‏ وأحمد على العامل بلفظ المساقاة ما يصلح الثمرة كالحرث والسقي وإصلاح طرق الماء وحفظ الثمرة،

وعليك كل ما يحفظ الأصل كشد الحيطان، وحفر الأنهار، وعمل الدواب وحفر البئر، وكل ما يتكرر كل عام فعليه، وما لا يتكرر فعليك - كالبقر والدواب، فإن شرط أحدهما على الآخر ما لا يلزمه فسدت، قال‏:‏ وإذا دخل على أداة ونحوها لا يعمل بها في حائط غيرك، فإن جهل أو نسي ما في الحائط من ذلك وظن أن ذلك بغير استسقاء وقلت‏:‏ إنما ساقيتك الحائط وحدها، قال ابن القاسم‏:‏ يتحالفان ويتفاسخان لاستواء الدعاوي، قال ابن حبيب‏:‏ إذا شرط عليك خلف ما جاء به، أو اشترطت عليه خلف مالك فله إجارة مثله؛ لأنها زيادة لمشترطها، قال بعض القرويين‏:‏ وأما الدلاء والحبال فلها وقت معلوم تفنى فيه، بخلاف الدواب، فأما اشتراط الغلام والدابة في الحائط الكبير، فعليك خلف ذلك بمنزلة ما فيه عند العقد، وإذا كان الأجراء لك، فعليك أجرتهم وعليه نفقتهم؛ لأن عليك ما يحفظ الأصل وعليه إقامة ما يصلح الثمرة، قال اللخمي‏:‏ للحائط أربع حالات فيه كفايته من الرقيق والدواب، ليس فيه شيء أو كفاية بعضه أو فيه أجراء، فتجوز المساقاة في الأول على ما هو عليه ولا يخرج منه ما فيه، ولا يعمر بما ليس فيه؛ لأنه الذي تناوله العقد، قاله‏:‏ مالك وابن القاسم، ولأنه عليه السلام لم يزد ولا نقص من خيبر شيئا، ومعلوم أنها لا تكون صفة

واحدة، وعن ابن نافع لا يدخل الرقيق إلا بالشرط، فإن اختلفا تحالفا وتفاسخا، ويجوز اشتراط ما ليس فيه؛ لأن ذلك أصل الإجارة وهو القياس، وقد لاحظ مالك القياس دون السنة حيث جعل الخلف عليك فيما هلك من الرقيق الكائن عند العقد، وإن كان فيه كفاية البعض فعلى العامل تمامه للسنة، ولأنه التزام إصلاح الثمرة، وعلى قول ابن نافع يكون لربه فيه، ويجوز اشتراط التمام عليك، وإن كان فيه أجراء على غير وجيبة فكالذي لا رقيق فيه، أو على وجيبة إلى مدة تنقضي فيها المساقاة، فهم كرقيق الحائط، ويمتنع إخراجهم على قول مالك، ويجوز على قول ابن نافع -ويستعملهم توفية بالعقد، وإن كان انقضاء الإجارة في نصف مدة المساقاة فما بعد الأمد عليه - كالحائط الخالي، وخلف من يموت

عليك إلى انقضاء أمد الإجارة، وحيث جوزنا في الحائط الكبير اشتراط الدابة والغلام إن اشترط غير معين فأتيت به فهلك أو تلف أخلفته كالإجارة، أو معينا امتنع إلا أن يشترط عليك خلفه؛ لأن إطلاق العقد يقتضي أن عليه من العمل ما بعده فهو غرر وليس هذا كإجارة المعين؛ لأن العامل لم يشتر شيئا من منافع ما في الحائط، وإنما يعملون لك، وعن مالك نفقة الدواب والرقيق عليك؛ لأنها ملكك فتنفق عليه وهو القياس، ولأن خلافه طعام بطعام إلى أجل؛ لأن بعض الثمرة عوض عن المئونة، وعلى هذا تكون نفقة الأجراء عليك كرقيقك، وإذا سرقت الحبال أو الدلاء فعليك خلفها، ويمكن من استعمال الجديد ما يرى أنه بقي من استعمال الأول ثم تأخذها ويأتي هو بما يستعمله مكانها، وعليه كنس البئر والعين وتنقية ما حول النخل لينتقع فيه الماء، وبناء الزرنوق والقف وإصلاح ما انفسد من ذلك عليك؛ لأن عليك حفظ الأصل، وعليه إصلاح الثمرة، فإن اشترطت عليه ذلك جاز فيما قلت نفقته قاله‏:‏ مالك وقدم القياس على الخبر، وله في التأبير قولان‏:‏ هل عليك أو عليه‏؟‏ وقيل‏:‏ يجمع بينهما‏.‏ فقوله عليك أي الشيء الذي يلقح به، وعليه وضعه في موضع النفع به، ولم يذكر في الكتاب عدم اشتراط عصر الزيتون أو قسمته حبابل ذكر اشتراطهما، وقال محمد بن سحنون‏:‏ ذلك عليكما، قال سحنون‏:‏ ومنتهى المساقاة جناه، وقال ابن حبيب‏:‏ العصر عليه؛ لأنه الأصل في الزيتون، فإن شرط عليك وله قدر امتنع ولَه إجارة المثل، والمذهب أصوب، وإنما تتضمن المساقاة ما تحتاجه الثمرة قائمة والعصر بعد ذلك، قال‏:‏ وكذلك أرى في الدراس والساقط من البلح والليف وتبن الزرع ونحوها عليكما‏.‏ قال التونسي‏:‏ عليه كل ما فيه نفع للثمرة ولا يبقى نفعه لك، أو يبقى ما لا قدر له - كاصلاح اليسير في الضفيرة، وأما سرو الشرب وهو تنقية ما حول النخلة، وأما خم العين وهو كنسها فتبقى منفعته لك فلا

يلزمه، ويلزم بالاشتراط شد الحظار وهو تحصين الجدر ورم القف وهو الحوض الذي يجري منه الماء إلى الظفيرة كالصهريج - وإبار النخل وهو تذكيرها، وإن لم يشترطها لم تلزمه - وهي عليك إلا الجداد والتذكير، وسرو الشرب فعليه وإن لم تشترطه، وإنما جوز اشتراط عصر الزيتون لخفته، قال ابن يونس‏:‏ قال عبد الوهاب‏:‏ كل ما لا يتعلق بالثمرة لا يلزم العامل ويمتنع اشتراطه عليه؛ لأن المساقاة جوزت للضرورة فلا يجوز في غير الثمرة إلا ما يجوز في البيوع، والزائد على ذلك إما إجارة مجهولة أو بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وكل ما يتعلق بالثمرة وينقطع بانقطاعها أو بعدها باليسير فهو لازم له ويجوز اشتراطه عليه، ويمتنع ما يبقى بعدها كثير -كحفر بئر أو بناء كن يجنى فيه، أو إنشاء غرس؛ لأنها زيادة تختص بك، فهي إجارة مجهولة، ويجوز اشتراط ما تخف مئونته كخم العين وشد الحظار، ويروى سد وشد، واليسير من إصلاح الظفيرة، وهي محبس الماء كالصهريج، فإن لم تشترط هذه الأمور فهي عليك‏.‏ قال محمد‏:‏ وعليه رم قضبة البئر وأشطنته وآلة الحديد، وإذا انقضى عمله فذلك له، ولا يشترط عليه إصلاح كسر الزرنوق، ويستحب إصلاح القف - وهو الحوض الذي يطرح فيه الدلو ويجري منه إلى الظفيرة، وعنه إجازة اشتراط إصلاح الزرنوق؛ لأن إصلاحه يسير، بخلاف اشتراط الزرنوق كله، فإن ساقيته على أن يسقي ويقطع ويجني ويحرثه ثلاث حرثات فحرث حرثتين حط من نصيبه بنسبة المتروك للمعمول‏.‏

الركن الرابع‏:‏ ما يشترط للعامل‏.‏

وفي الجواهر شرطه‏:‏ أن يكون جزء المساقاة عليه معلوما بالجزئية لا بالتقدير؛ لأنه مورد السنة، وقياسا على القراض – وقاله‏:‏ ‏(‏ش‏)‏ وأحمد، وفي الكتاب يجوز على أن جملة الثمرة للعامل وعلى أي جزء كان كالربح في

القراض، قال اللخمي‏:‏ قال مالك‏:‏ من الحوائط ما لو اشترط صاحبه شيئا لا يجد من يساقيه فعلى تعليله يجبر العامل على العمل أو يستأجر من يعمل، إلا أن يقوم دليل الهبة من قلة المئونة وكثرة الخراج فلا يجبر على العمل ويجري على أحكام الهبة، ومتى أشكل الأمر حمل على المعاوضة‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب يمتنع لأحدكما مكيلة معلومة والباقي بينكما؛ لأنه قد لا يحصل إلا تلك المكيلة فهو غرر وله أجرة المثل والثمرة لك كما تقدم في القراض أثمرت النخل أم لا، لاستيفائك منفعته بعقد فاسد، وكذلك له نخلة معلومة والباقي بينكما ولك نصف البرني وباقي الحائط له أو نفقته من ثمر الحائط والباقي بينكما، قال ابن يونس‏:‏ يجوز اشتراط الزكاة في حصة أحدكما لرجوعه إلى جزء معلوم، فإن لم يشترط بدئ بالزكاة وقسمتما الباقي، فإن شرطت عليه الزكاة فأصاب أقل من خمسة أوسق، قيل‏:‏ يكون عشر ما أصاب لك توفية بالشرط، وقيل‏:‏ يقتسمان ما أصاب على تسعة، وإذا شرط لك نصف البرني فله في البرني مساقاة مثله، وفي الباقي أجير، والقياس هاهنا إن كان زيادة يستبد بها أحدكما يكون له في ذلك أجرة المثل والثمرة لك كما تقدم في القراض، قال اللخمي‏:‏ قال مالك‏:‏ يمتنع لك من كل نخلة تنوء، بخلاف لك من كل نخلة كيل، وتمتنع مساقاة حائطين بثمرة أحدهما له والآخر لك؛ لأنه قد يرطب حائطه وهو أجير فيهما عند ابن القاسم، وكذلك ثمرة هذا الحائط بينكما والآخر لك أو له، ويختلف فيما بينكما هل له أجرة المثل أو مساقاة المثل‏؟‏ قال‏:‏ وأرى له الأقل من المسمى أو إجارة المثل - إن شرطت

المنفرد لك، وإن شرطه له فالأكثر من المسمى أو إجارة المثل، ومنع ابن القاسم مساقاة الحائط خمس سنين فيها بياض، فاشترطته أول سنة له وهو لك باقي السنين للغرر، فقد تتعذر الزراعة بعد ذلك، وكذلك حائطان بيعملهما سنة ثم يرد أحدهما ويعمل في الآخر سنة‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب تقتسمان سواقط النخل من بلح وغيره والجريد والليف وتبن الزرع على شرطكما‏.‏

فرع‏:‏ في الجواهر تمتنع المساقاة أربع سنين‏:‏ سنتين على النصف وسنتين على الربع للغرر بفوات أحدهما بجائحة مع العمل في الآخر، ويمتنع حائط بموضع مرغوب فيه مع آخر إلا بجزء واحد كما اتفق في خيبر‏.‏

الركن الخامس‏:‏ الصيغة،

الصيغة قال صاحب المقدمات‏:‏ لا تنعقد عند ابن القاسم إلا بلفظ المساقاة؛ لأنها أصل مستقل بنفسها، كما لا تنعقد الإجارة بلفظ المساقاة، فلو قال‏:‏ استأجرتك على عمل حائطي بنصف من الثمرة، وعن مالك جواز الإجارة بلفظ المساقاة، وقول ابن القاسم أصح لاختلاف البابين، وفي الجواهر تنعقد بقولِه ساقيتك على ما في النخل بالنصف أو غيره أو ساقيتك فيقول قبلت أو ما يقوم مقامه من القول أو الفعل؛ لأن مطلوب الشرع ما يدل على الرضى واختلف

في لفظ الإجارة‏:‏ فأبطله ابن القاسم لمباينة البابين بالمسامحة في الغرر ونفيه، وجوزه سحنون؛ لأن كيلهما عقد على منافع ولا يشترط تفصيل الأعمال بل يحمل على العادة، قال ابن يونس‏:‏ عن مالك جواز مساقاة نخل بثمر من نخل أخرى مزهية، فجعله إجارة ولم يلتفت إلى لفظ المساقاة، وابن القاسم يمنع؛ لأن الجائحة في المساقاة تذهب عمله باطلا، وفي الإجارة له أجرة مثله فهما بابان متباينان‏.‏

الثانية في أحكامها‏:‏

قال اللخمي‏:‏ وفي لزومها بالعقد أقوال، ثالثها سحنون أولها لازم كالإجارة وآخرها إذا عجز كالجعل؛ لأن الجعل إذا عجز فيه لم يكن له شيء‏.‏ قال صاحب المقدمات‏:‏ تلزم بالقول بخلاف القراض وقاله‏:‏ ‏(‏ش‏)‏، وقيل‏:‏ المزارعة كذلك، وقيل‏:‏ لا تنعقد ولا تلزم إلا بالعمل، وقيل‏:‏ تنعقد وتلزم بالشروع ولا تلزم الشركة باللفظ ولا بالعمل، واختلف بماذا تنعقد‏:‏ هل باللفظ أو بالعمل قولان في المدونة، وقال ابن حنبل‏:‏ لا تلزم المساقاة بالعقد، وكذلك المزارعة؛ لقوله في مسلم ليهود نقركم على ذلك ما شئنا لما سألوه المساقاة على الشطر ولو كانت للذمة لم تجز بغير تقدير مدة ولم يكن له - صلى الله عليه وسلم خبرة، وبالقياس على القراض وهو أولى من القياس على الإجارة؛ لأن كليهما عقد ضرورة، فالشبه أقوى، والجواب عن الأول‏:‏ أن المدة كانت تجدد، ولم يتعرض الراوي لنفي ذلك، فيجب اعتقاده جملة؛ لتصرفه - صلى الله عليه وسلم مالا جهالة فيه، ومعنى قوله نقركم على ذلك ما شئنا أي في المعاملة الثانية أو في العقود المتجددة،

وعن الثاني‏:‏ الفرق بأن أرباح القراض منوطة بالأسواق وهي غير منضبطة في مدة معينة، فكانت غاية نضوض المال، وغاية المساقاة الجداد وما تجدد من المدة ويكون آخرها الجداد، فلا يختل مقصودها‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب تمتنع المساقاة فيها البياض اليسير على أن يزرعه ببذره أو ببذرك ويعمل فيه على أن ما تنبته لك؛ لأنها زيادة تخصك فهي زيادة في الغرر، ويمتنع اشتراطه نصف البذر عليك أو حرث البياض وإن جعل الزرع بينكما، ويجوز أن يزرعه من عنده ويعمله وما ينبت بينكما كالمساقاة وإلغاء البياض اليسير أحسن كما ألغي في خيبر وكان يسيرا، وإن كان في الزرع ما يشغله قدر يسير وتبع له، جاز اشتراطه لنفسه ليزرعه كبياض النخل، وإن كان في زرع شجر متفرق تبع له، جاز أن تشترط على ما يشترط في الزرع، ولا يشترطه لنفسه وإن قلت بخلاف البياض، ولا يجوز على أن ثمرها لأحدكما بل بينكما على جزء الزرع، قال ابن يونس‏:‏ جوز ابن حبيب أن تشترط بياض الحائط لنفسك إن كان بعلا، أو يسقى بغير ماء الحائط، قال محمد‏:‏ فإن سكتا عنه عند العقد فهو له، وكذلك إن سكتا عند العقد وتشاحا عند الزراعة‏.‏

وفي الكتاب إذا كان البياض يسيرا سوقي بالجزء، وإلا اكتري بالذهب أو الورق وكان بياض خيبر يسيرا، قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ إلغاء البياض له أحل‏.‏

قال محمد‏:‏ إن شرطته لنفسك امتنع؛ لأنها إجارة مجهولة الأجرة، فإن ادعيت قبل العمل اشتراطه لنفسك، قال ابن حبيب‏:‏ تحالفتما وتفاسختما كدعوى نزع رقيق الحائط على القول بلزوم المساقاة باللفظ، وقال مالك‏:‏ إن زرعه بغير شرط ولم تنكر عليه فعليه كراء

الأرض، وقال ابن عبدوس‏:‏ إنما يراعى كونه تبعا لثمرة جميع الحائط إن اشترطتما أن ما ينبت فيه بينكما، فأما إن ألغي له فإنما يراعى ما هو تبع لحصته خاصة، وعن مالك إن أجيحت الثمرة وقد زرع العامل البياض فله كراؤه، ولو عجز الداخل عن الأصل عليه كراء المثل، قال ابن حبيب‏:‏ إذا شرطت العمل والبذر عليه وما ينبت لك، فله مساقاة مثله وما ينبت له، لقوة سببه بالبذر والعمل، وإن شرطت البذر من عندك والعمل عليه على أن ما ينبت لك فمساقاة المثل وأجرة المثل في عمل البياض والزرع لك؛ لقوة سببك بالبذر قال‏:‏ والأصل أن يكون أجيرا‏.‏ قال محمد‏:‏ ولو شرطت البياض للعامل وعليك البذر امتنع؛ لأنها زيادة له وله أجرة المثل، وقال أصبغ‏:‏ مساقاة المثل، وعن مالك إذا كان الشجر تبعا للأرض والزرع تبع للشجر أنه بخلاف البياض وكراء الأرض، ولا يلغى للعامل، ويمتنع إلا على مساقاة واحدة كأصناف في حائط، وعن مالك جواز إلغائه للعامل إن كان تبعا كمكتري الدار والأرض فيها نخل تبع شرط ثمرتها، فهي له ولا يكون بينكما، فإن شرط ثلاثة أرباع البياض الذي هو تبع، منعه ابن القاسم، بل إما مساقاة واحدة بينكما أو يلغى للعامل، وأجازه أصبغ قياسا على اشتراط الكل، ولا ينبغي أن يكون أكثره لك، كما أنه ليس لك اشتراط كله، قال اللخمي‏:‏ متى كان أكثر من الثلث امتنع إدخاله في المساقاة وجاز إبقاؤه لك، وإن سكتما عنه عند العقد صح وهو لك، وإن كان الثلث فأقل، جاز إدخاله في المساقاة؛ لأن بياض خيبر كان تبعا، فإن سكتما عنه قال مالك هو لك، فإن زرعه بغير علمك فعليه كراء المثل، وقال محمد‏:‏ هو له؛ لأنها سنته عليه السلام في خيبر، وقال ابن حبيب‏:‏ بني الزرع الفاسد على الشركة الفاسدة على أحد القولين إن الزرع لمن له البذر، قال‏:‏ وأرى أن الزرع له إذا زرع على أن لا

شركة لك، أو على أن يكون الزرع لك، قال‏:‏ وإن بذر من عنده؛ لأنك إنما اشتريت منه البذر شراء فاسدا وأمرته بجعله في أرضك وعليك مثل ما بذر وأجرة العمل ويكون الزرع له، وإن كان البذر من عندك وزرعه لنفسه فهو له وعليه مثل البذر وكراء الأرض؛ لأنه اشترى منك البذر شراء فاسدا، وفي الكتاب يمتنع في البياض التبع أن يشترط أول سنة للعامل ثم باقي السنين لك؛ لأنه غرر‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ فإن نزل فله مساقاة مثله في العام الأول على أن البياض له ومساقاة المثل فيما بعد على أن البياض لك فيكون في الأول النصف مثلا وفي الأخير الثلثان، وعلى مذهب محمد أجير في السنين كلها، وفي الجواهر متى كان البياض أكثر من الثلث امتنع دخوله في المساقاة وإلغاؤه له بل لك، أو أقل وسكتما عنه فله عند مالك، وقال ابن حبيب‏:‏ بشرط أن لا تزيد قيمته على ثلث نصيبه، وظاهر قول مالك‏:‏ أن لا تزيد قيمته على ثلث الجميع، وفي كتاب ابن سحنون‏:‏ أنه لك إذا سكتما عنه‏.‏

تمهيد‏:‏ يحذر في البياض من أمور، أحدها كراء الأرض بما تنبت، وثانيها اشتراط زيادة لك أوله، فإنه زيادة غرر في المساقاة؛ لاحتمال أن لا يحصل ما يقابل تلك الزيادة أو يحصل لكن لا يعلم مقداره، وثالثها الشركة الفاسدة في الزرع بأن تقابل الأرض أو بعضها بالبذر أو بعضه، فإذا ألغى للعامل وهو تبع سلم من هذا كله‏.‏

فائدة‏:‏ إنما سمي الخالي من الأرض بياضا والمزروع سوادا؛ لأن الأرض

مشرقة بضوء الشمس بالنهار، وبنور الكواكب بالليل، فالأرض كلها بياض - بسبب ذلك، فإذا قام فيها قائم حجب عنك ما وراءه من الإشراق فتصير جهته سوادا فسمي كل قائم سوادا، وما عداه بياضا، وكذلك تقول العرب بينا نحن سوادا جلوس إذ طلع علينا سواد، فيسمون كل قائم في الأرض سوادا لما تقدم‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب يجوز مساقاة ما لم يره من ثمر نخل أو شجر قياسا على الذي يظهر، ومنعه ‏(‏ش‏)‏ قياسا على بيع الغائب ونحن نمنع حكم الأصل‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب لا يأكل العامل من الثمر شيئا؛ لأنه مشترك‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا أزهى بعض الحائط امتنعت مساقاته لجواز بيعه حينئذ فلا ضرورة، وإذا عجز العامل وقد حل بيعها لا يساقي غيره ويستأجر من يعمل معه، فإن لم يوجد إلا بيع نصيبه فعل، فإن فضل شيء فله، وإن نقص ففي ذمته إلا أن ترضى أنت بأخذه وتعفيه من العمل فذلك لك ولمساقي الزرع والثمر مساقاة غيره في مثل أمانته، فإن ساقى غير أمين ضمن، قال ابن أبي سلمة‏:‏ المساقاة بالنقدين كبيع ما لم يبد صلاحه، ولا يجوز أن يربح في المساقاة إلا ثمرا مثل أخذه على النصف وإعطائه على الثلثين، قال ابن يونس‏:‏ إذا قلت‏:‏ استأجر عليك لتمام العمل وأبيع ما صار لك من الثمرة واستوفى ما أديت والفاضل له

وعليه، فينبغي أن يكون لك ذلك؛ لأن العمل كان لازما له، ولو قلت له‏:‏ خذ ما أنفقت واخرج امتنع وإن رضي، كأنه باع نصيبه من الثمرة قبل بدو صلاحه، وإن اجتمعتما على بيع الزرع أو الثمر قبل طيبه وزهوه ممن يحصده أو يجده، جوزه ابن القاسم، وإذا أخذ على النصف وأعطى على الثلثين فعلمت بذلك فأنت أحق بنصف الثمرة ويرجع الثاني على الأول بما بقي له – قاله‏:‏ مالك، وتجوز له مساقاتك بأقل مما أخذ إذا لم تطلب الثمرة كالأجنبي، ويمتنع بمكيلة مسماة وبثمرة نخلة معروفة كأصل المساقاة وبأكثر مما أخذ منك؛ لأنه يحتاج يعطيك من حائط آخر، قال ابن يونس‏:‏ وقد أجاز الدفع بالأكثر للأجنبي مع أنه يعطي من حائط آخر، فيجوز هاهنا ولا فرق بينهما، ويحتمل أن يريد أنك تعلم أنه يعطيك من حائط آخر بخلاف الأجنبي، فلو كان عالما امتنع فيهما، وإذا رجع الأجنبي عليه بعد أخذك بفاضل ماله وهو الربع مثلا، رجع بربع قيمة إجارته، وعن ابن القاسم يجوز لك أن تقول له اخرج من الحائط ولك ربع الثمرة - إذا طابت، ويجوز إعطاؤك قبل الطيب جزءا شائعا بخلاف كيل معين؛ لأنها قد تعطب بالجوانح فهو غرر بخلاف الجزء، وعن مالك إن لم يعمل جاز إعطاؤه جزءا شائعا، ويمتنع بعد العمل؛ لأنه أعطيته فيما تقدم من عمله من الثمرة ما جعلت له منها وهو مجهول، وكأنك أعطيته الجزء المجهول عن أشهر مضت وهي معلومة فهي إجارة بأجرة مجهولة‏.‏ قال ابن حبيب‏:‏ إذا ترك ودفع لك جعلا من غير ما ساقي عليه قبل الجداد أو بعده، رددت الجعل ورجع لمساقاته وعليه

لك أجر العمل بعد الرد، ولو كانا اثنين فسلم أحدهما لصاحبه بجزئه من الثمرة جاز، وكذلك المالكان؛ لأنها مساقاة، فلو كانا حائطين - لعاملين أو مالكين امتنع إخراج أحدهما للآخر بجزء من ثمر أحد الحائطين – للغرر، ويجوز بجزء منهما، وإذا بعت الحائط امتنع إخراج المشتري بشيء تعطيه له، كما يمتنع منك؛ لأنه انتقل إليه بالعقد ما كان لك، قال ابن القاسم‏:‏ يجوز البيع بعد المساقاة، كما يجوز بعد الإجارة، قال محمد‏:‏ إن أبرت الثمرة أو طابت جاز علم المبتاع أم لا، وإلا امتنع علم أم لا لامتناع استيفائك شيئا من الثمرة قبل التأبير، قال اللخمي‏:‏ تجوز مساقاة النخل الكبير البالغ حد الإطعام عجز عنه صاحبه أم لا، كانت فيه ثمرة أم لا - السنة والسنتين، وتمتنع في الذي لم يطعم والكثير الذي فيه ثمر قد بدا صلاحه - على اختلاف فيه، وتمتنع في عقد ما بدا صلاحه وما لم يبد، فهذه أربعة أقسام يجوز منها الأول دون الثلاثة، وإذا أزهى بعض الحائط وليس بباكور وهو جنس واحد، جاز بيع جميعه، وتمتنع مساقاته على قوله في الكتاب، وعنه جواز مساقاة حائط بثمر من حائط آخر على أن لك جزءا من الثمرة وكان ذلك بعد طيب الثمرة التي يعطي منها وكان السقي معروفا بمنزلة الأجرة وهي إجارة، وإذا كان الذي طاب باكورا بعيد اللحوق وساقيته على جميع الحائط ويأخذ الجزء مما طاب خاصة جاز وهو إجارة كإعطائك حائطين طاب أحدهما على أن يأخذ مما طاب وتمتنع مساقاتهما وتأخذ مما لم

يطب أو منهما؛ لأنها مساقاة لا إجارة، وإن كان يسقي ما طاب وحده ويأخذه منه جاز على أحد القولين لمالك، أو يسقي مالم يطب منه - جاز اتفاقا، أو يسقي الجميع ويأخذ مما لم يطب وهو الأكثر والذي طاب يسير مختلط بما لم يطب، فهذه ستة أحوال لطيب بعض الحائط، وعن مالك تجوز مساقاة نخلك معك رمان طاب يضيق بالنخل يشرب معها وهو لك، ويحمل قوله في جواز مساقاة ما يسقيها بماء البائع ما لم يكن في الحائط رقيق ولا دواب أو كانوا وشرط طعامهم عليك، وإن شرط عليه فسد؛ لأنه طعام بطعام مستأخر، وعلى قوله في مساقاة ما صلح أنها إجارة تكون الجائحة قبل اليبس منك ويرجع بقيمة إجارته في جميع الثمرة؛ لأنه إنما يسقيها بماء البائع وعمله في ذلك تبع، وإذا مات قبل تمام العمل موسرا استؤجر عليه من ماله حتى يكمل العمل رضي الوارث أم لا؛ لأن العمل مضمون في ذمته فإن لم يخلفا مالا وعجز الوارث عن القيام سلم الحائط لك ولا شيء للوارث، قاله‏:‏ مالك وابن القاسم، لشبه المساقاة بالجعالة، قال‏:‏ والقياس أن يكون له إذا عجز ولوارثه بقدر ما انتفعت به من العمل إذا تممت العمل وسلمت الثمرة قياسا على قوله في حافر البئر إذا تركه في الجعالة فأجرت غيره أن للأول بقدر ما انتفعت به، وله أن يساقيك على مثل الجزء، فإن استفضل شيئا ولم يعمل جاز، فإن عمل فظاهر المدونة الجواز‏.‏ ومنعه في العتيبة للتهمة أن يكون عمل على أن يسقي شهرا ثم يعيده - قبل الطيب ويأخذ جزءا بعد الطيب، وإذا انقضى العام الأول جازت الإقالة إذا لم يعمل في الثاني شيئا، فإن عمل وتقايلتما فعلى قوله في العتبية‏:‏ لا تجوز الإقالة إلا قبل

العمل وموافقة الجزء، وإذا تبين أنه خائن أو سارق سرح في المساقاة أو إجارة الدار، قال ابن القاسم‏:‏ لا يخرجان ويتحفظ منهما، قال‏:‏ وفيه نظر بل ذلك عيب فيهما ويعجز عن تحفظهما، قال‏:‏ وأرى أن تكرى الدار وتساقي عليه بالعين أو تساقيه - الخيار لك‏.‏

فرع‏:‏ في الجواهر المساقاة الفاسدة إذا أدركت قبل الشروع فسخت، أو بعد الفراغ، ففي الواجب أربعة أقوال‏:‏ أجرة المثل، مساقاة المثل مطلقا ما لم نكن أكثر من المشترط - إن كان الشرط للمساقي، أو الأقل إن كان الشرط للمساقي - التفصيل لابن القاسم‏:‏ أجرة المثل إن خرجا إلى الإجارة الفاسدة أو بيع الثمرة قبل بدو صلاحها كاشتراط أحدهما زيادة من عين أو عرض أو غيرهما‏.‏ فالمالك مستأجر بأجرة فاسدة، والعامل مشتر للثمرة بما زاده، وإلا فمساقاة المثل إذا لم يخرجا عن حكمها بل عقداها على غرر الحائط على النصف وآخر على الثلث - واشترط من العمل ما لا يلزم مما لا يبقى مؤبدا‏.‏

قال الشيخ أبو الوليد‏:‏ الذي وجد فيه لابن القاسم‏:‏ مساقاة المثل أربع مسائل‏:‏ اثنتان في المدونة إذا ساقاه - وفي الحائط ثمر أطعم، أو اشترط المساقي العمل معه‏.‏

واثنتان في العتيبة‏:‏ اجتماعها مع البيع في عقد، ‏(‏أو ساقاه‏)‏ سنة على النصف وسنة على الثلث‏.‏ الحال الثالثة أن يعثر عليها في أثناء العمل، فيفسخ والواجب فيه أجرة المثل - إذا انتهى على ما تقدم من تفصيل ابن القاسم - وله أجرة مثله فيما عمل إلى حين العثور، ولا يفسخ ما الواجب فيه مساقاة المثل، بل يمضي وله مساقاة مثله، ولو كانت أعواما وبقي بعضها بعد العثور، بني على مساقاته فيها مساقاة المثل، فهذه ثلاثة أحوال للمساقاة الفاسدة‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ المساقاة الفاسدة يجري فيها الخلاف الذي في القراض‏:‏ هل له مساقاة مثله مطلقا، أو أجرة المثل مطلقا، أو التفرقة لابن القاسم‏:‏ إن كان الفساد لزيادة يختص بها أحدهما فاجرة المثل، أو شيء يرجع إلى المال بقراض المثل‏.‏

فرع‏:‏ وفي الكتاب‏:‏ المساقاة إلى الجداد، وتمتنع إلى سنة أو شهر، فإن أطعمت في السنة مرتين فالجداد الأول حتى يشترط الثاني، وتجوز مساقاة السنين ما لم تكثر جدا، وليس لأحدهما المشاركة حتى تنقضي المدة؛ لأن المساقاة عقد لازم إلا أن يتتاركا بغير شيء يأخذه أحدهما من الآخر، وليس كبيع ثمر لم يبد صلاحه؛ لأن للعامل أن يساقي غيره، قال اللخمي‏:‏ إذا ساقاه بعد المغارسة المتقدمة في الفرع المتقدم قبل هذا والغرس من عندك فهو أجير فيما عمله قبل

الإطعام، ويخرج متى عثر عليه ما لم يبلغ الإطعام، فيبقى في يديه على مساقاة المثل بقية ذلك الأجل، وقيل‏:‏ الأقل من المسمى أو مساقاة المثل، فإن كان الغرس من عنده وفات بالعمل قبل فوت وله قيمته وقت وضعه؛ لأنه وقت الإتلاف، وقيمة خدمته إلى وقت خروج ما لم يبلغ الإطعام فيمضي على مساقاة المثل وقيل‏:‏ ليس فوتا؛ لأنه باعه بيعا فاسدا على أن تبقى يده عليه ينتفع بثمرته بعد الطيب، فهو تحجير من البائع والغرس للبائع وعليه قيمة ما أصلحت الأرض وتنميته فيه وله قيمته يوم يخرج عن الأرض قائما؛ لأنه غرسه بإذنك وقيل‏:‏ مقلوعا لفساد الإذن شرعا‏.‏

فرع‏:‏ قال اللخمي‏:‏ يزكى الحائط على ملك ربه إن كان خمسة أوسق وإن لم ينته إلا وسقين؛ لأن الباقي أجرة عليه ويزكي العامل، وإن كان عبدا أو كافرا، فإن كان رب الحائط كذلك، لم يزك العامل؛ لأن نصيبه يطيب على ملك رب الحائط، ولهذا يسقط العمل بالجائحة قاله‏:‏ مالك، وعنه لا يسقط وعلى هذا يطيب على ملك العامل، وإن يسقيها من الآن لنفسه ويكون شريكا فيها، ولا تجب الزكاة إلا على من في نصيبه نصاب، فإن أصاب أربعة أوسق، ولكل واحد نخل إذا أضافها لثمر المساقاة كمل النصاب وجبت الزكاة، ويجوز اشتراط الزكاة عليه واشتراطها عليك، وعلى الأول وإن كانت أربعة أوسق، هل يقتسمان على عشرة أجزاء‏:‏ ستة لك وأربعة له، أو على تسعة أجزاء على ما كنتما لو أخرجت الزكاة أو نصفين لعدم النصاب ثلاثة أقوال‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب يمتنع اشتراط سقي النخل بمائة وتصرف مالك حيث شئت

كاشتراطك زيادة دينار‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا اجتمعتما على البيع قبل الطيب أو الزهو لمن يحصد أو يجد جاز كالشركاء‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ تمتنع الإقالة على شيء يعطيك إياه - شرع في العمل أم لا؛ لأنه إن أثمرت النخل فهو بيع الثمرة قبل الطيب، وإلا فأكل المال بالباطل‏.‏

فرع‏:‏ قال إذا اختلفتما صدق فيما يشبه، ويصدق مدعي الصحة؛ لأنها أصل تصرفات المسلمين، قال ابن يونس‏:‏ قوله فيما يشبه يريد بعد العمل، وإلا تحالفتما وتفاسختما على القول بلزومها بالعقد، وإذا قلت‏:‏ ساقيتك بغير دواب ولا رقيق، قال ابن القاسم‏:‏ تحالفا وتفاسخا، قال‏:‏ وفيه نظر؛ لأنك ادعيت عدم كراء الدواب، فينبغي أن تصدق كالإجارات والبيوع، وإذا قلت‏:‏ بعيد الفراغ لم يعط ثمرا صدق قاله‏:‏ مالك؛ لأن حقك في الثمر لا في حصته والعادة عدم الإشهاد على الدفع، قال اللخمي‏:‏ إذا اختلفتما في الجزء قبل العمل وأتيتما بما يشبه تحالفتما وتفاسختما، أو بعد العمل صدق مع يمينه إذا أتى بما يشبه، فإن أتيت بما يشبه وأتى بما لا يشبه صدقت مع يمينك، فإن نكلتما أو أتيتما بما لا يشبه فمساقاة المثل، فإن أتى أحدكما قبل العمل بما يشبه دون الآخر يختلف‏:‏ هل

القول قوله مع يمينه وتثبت المساقاة، أو تتحالفان وتتفاسخان قولان، ويصدق مدعي الصحة قبل العمل وبعده، فإن شرطت مكيلة والباقي بيننا وقلت‏:‏ نصفان من غير تبدئة، فقد اعترفت له بالأكثر فيصدق مدعي الحلال قبل العمل وبعده ويحلف قبل العمل، وأما بعد العمل فإن كانت مساقاة مثله النصف فلا يمين، أو أكثر حلف مدعي الصحة، فإن نكل حلف العامل وأخذ الفضل، وإن قلت‏:‏ نصفين، وقال‏:‏ بل أبدأ بمكيلة، فهو كالاختلاف في الثمن يحلف مدعي الفساد مع القيام وحده وتفسخ المساقاة، وإذا قلت لي‏:‏ نصف كذا ولك نصف كذا، وقال‏:‏ بل الجميع نصفان صدقت مع يمينك - وإن دعيت الفساد؛ لأنك لم تقر ببيع شيء من ذلك النصف‏.‏

قاعدة‏:‏ ‏(‏قال‏)‏ عليه السلام‏:‏ لو أعطي الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم و

لكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر‏.‏ فليس كل طالب مدعيا ولا كل مطلوب مدعى عليه، بل من كان قوله على خلاف أصل أو ظاهر فهو المدعي الذي عليه البينة كان الظاهر عادة أو قرينة حالية أو مقالية، وكل من كان قوله على موافقة أصل أو ظاهر، فهو المدعى عليه ويصدق مع يمينه كالطالب من غيره دينا فهو مدع؛ لأن الأصل براءة الذمة؛ لأن الإنسان ولد بريئا من حق، وكمدعي الوديعة بغير بينة وقد قبضها ببينة، فإن الظاهر‏:‏ أنه لا يرد إلا ببينة، فهو مطلوب وعليه البينة، وكذلك الوصي يدعي إنفاق مال اليتيم في مدة لا ينفق فيها مثله، وهو مطلوب وعليه البينة والطالب منه مدعى عليه، ونظائره

كثيرة فعلى هذه القاعدة تتخرج فروع الدعاوي في المساقاة وغيرها، وبعبارة أخرى المدعى عليه هو أرجحهما سببا، والمدعي هو المرجوح السبب‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب إذا وكلته في دفع نخل مساقاة، فقال‏:‏ دفعتها لزيد وصدقه وكذبته أنت صدق؛ لأنه أمين كالوكيل على البيع بخلاف الرسول لدفع المال يكذبه المبعوث إليه يغرم‏.‏

فرع‏:‏ قال اللخمي‏:‏ له إعراء نصيبه من المساقاة أو جزء منه نصفه أو أكثر أو أقل من نخله أو نخل معينة، فإذا أعرى جميع نخله أو نخلة جاز نصيبه منها كالشريك، وليس للمعرى جميع نصيب العامل من المساقاة في هذه النخلة؛ لأنه خلاف عقد المساقاة، وكذلك لو أعريت أنت‏.‏

فرع‏:‏ قال تجوز مساقاة البعل من الشجر الذي على غير الماء لحاجته للعمل، وكذلك الزرع إن استغنى عن السقي واحتاج للمؤونة، وان لم يبق إلا حفظه وحصاده وتصفيته امتنع؛ لأن هذه مئونة بعد مدة المساقاة، وهي إجارة فاسدة، وليس زرع البعل كشجر البعل، وإنما يجوز في زرع البعل عند الضرورة والخوف عليه‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ ليس تمتنع مساقاة الزرع إلا أن يعجز عنه - وإن كان له ما يسقي؛ لأنه قد يعجز عن الدواب والإجراء وتمتنع قبل استقلاله من الأرض لفرط الجهالة، وتمتنع بعد جواز بيعه لعدم الضرورة، فإن ساقاه قبل استقلاله من الأرض قال ابن حبيب‏:‏ له أجرة مثله، وإن طلع ولم يعجز عنه

امتنع أيضا لعدم الضرورة، والسنة إنما وردت في زرع تبع للنخل والشجر بخيبر، قال ابن نافع‏:‏ وتجوز في البطيخ والجزر والأصول المغيبة عجز عنها أم لا، وفي الكتاب تجوز في الورد والياسمين والقطن‏.‏ قال محمد‏:‏ وإن لم يعجز عنه لعدم ثبوت أصله كالزرع، وجوزها ابن القاسم في البصل وقصب السكر إذا عجز عنه؛ لأنه ثمرة واحدة، ويشترط في ذلك كله أن يصل إلى حد جواز البيع، ومنع مالك مساقاة القصب؛ لأنه يسقى بعد جواز بيعه، وكذلك القرط والبقل الذي يجز ويخلف والموز وإن عجز عنه؛ لأن ذلك كله يجنى بطنا بعد بطن وليس بشجر في أصله‏.‏

تمهيد‏:‏ قال‏:‏ وأصل قولهم إن كل ما يجز أصله ويخلف يمتنع، وكل ما تجز ثمرته ولا يخلف يجوز كان أصله ثابتا أم لا، أو تقول كل أصل ثابت تجنى ثمرته يجوز ما لم يجن بيع ثمرته، وكل أصل غير ثابت ويجز مع ثمرته كالزرع والبصل واللفت والجزر والمقاثئ يمتنع إلا أن يعجز عنه ويظهر من الأرض، وكل ما يجز أصله ويخلف كالبقل والكراث والقصب والموز يمتنع مطلقا، واختلف في الريحان والقصب الحلو بالمنع؛ لأنه يجز ويخلف كالبقل، والجواز للحاجة للمساقاة في الجزة الأولى دون الخلفة، لأنها كما لم يظهر من الأرض، وقيل‏:‏ القياس جواز الخلفة معه؛ لأنها تبع فتجوز كبيعها مع الأصل تبعا، وجوزها أحمد في كل شجر مثمر، وخصصه ‏(‏ش‏)‏ بالنخل والكرم الصغيرين لوجوب الزكاة في ثمرها، قال‏:‏ وما لا زكاة فيه كما لا ثمر له، واتفق الإمامان على المنع في الصفصاف والجوز وكل ما لا ثمر له، أو له ثمر غير مقصود - كالصنوبر والأرز؛ لأنه ليس منصوصا ولا في معنى المنصوص، ولأنها إنما تكون بجزء الثمر ولا ثمر فلا تجوز‏.‏ لنا جملة صور الخلاف عموم قوله شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، ونظرا لوجود الحاجة في جملة تلك الصور فيجوز قياسا على مورد النص‏.‏

فرع‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ إن ساقى نخلا فيها موز الثلث فأقل جاز تبعا إن دخل في المساقاة، وإن اشترطها أحدكما فالعامل امتنع لعدم التبعية، قال اللخمي في الزرع والقطاني ونحوها أربعة أقوال‏:‏ الجواز في المدونة بثلاث شروط‏:‏ الظهور من الأرض، والعجز عنه، وعدم بدو الصلاح، وعنه الكراهة والجواز لابن نافع من غير شرط قياسا على الشجر، وقال ابن عبدوس‏:‏ القياس المنع مطلقا نفيا للغرر، قال‏:‏ وأرى الجواز إذا عجز عنه قبل البروز من الأرض بل أولى؛ لأن البارز ينتفع به، ولمالك المنع في المرسين؛ لأنه وإن كان شجرا فالمأخوذ ورقه فهو بمنزلة ما يجز، وعنه الجواز قياسا على غيره من الشجر، وعلى الجواز له اشتراط الخلفة على القول بجواز بيعها مع الأصل وأما مساقاة قصب السكر ونحوه مما يجز ويخلف إن كان أول بطن ولم يبد صلاحه، جرى على الخلاف المتقدم في الزرع، فإن بدا صلاحه امتنع، وهو الذي تكلم عليه في المدونة‏.‏ وعلى قوله في كتاب محمد يجوز في الرأس وحدها، وتكون إجارة باع نصفها بعمله، ويمتنع ضم ما لم يبد صلاحه مع ما بدا، وقياسا على قوله إنها إجارة جواز ذلك‏.‏

فرع‏:‏ في الكتاب‏:‏ تجوز مساقاة الشجرة والنخلة الواحدة كالقراض بالمال القليل‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا فلست لم تفسخ المساقاة عمل أم لا، ويبيعه الغرماء على أن هذا مساقيه، لتعلق حق العامل قبل الغرماء، قال ابن يونس‏:‏ منع غيره بيع الغرماء له وتوقف حتى يرضى العامل بتركه؛ لأنه بيع له واستثناء ثمرة للعامل، وقال سحنون‏:‏ إنما يجوز بيعه إذا كانت المساقاة سنة بجواز بيع الربع والحوائط، على أن يقبضها بعد سنة والأجير بدراهم على السقي أحق بالثمرة في الفلس؛ لأنه كالبائع لما تولد عن منافعه والأرض قائمة له فهو أحق بما لسلعته في البيع، وهو في الموت أسوة الغرماء‏.‏

فرع‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ تمتنع مساقاة بيع أو إجارة في عقد، لتنافي أحكامهما في اختصاص الغرماء وعدم اختصاصهم وغير ذلك، وإذا كان في الحائط بياض تبع، امتنع كراؤه ومساقاة الحائط، وإذا كان في الأرض المكتراة سواد تبع، امتنعت مساقاته وكراء الأرض وحدها‏.‏

فرع‏:‏ قال اللخمي‏:‏ مساقاة أنواع الثمار المختلفة في عقد ثلاثة أقسام‏:‏ تجوز إن كانت حائطا واحدا مختلفة؛ لأنها في حكم النوع الواحد، وكذلك في حوائط إذا كانت مساقاة كل واحد إذا انفرد مثل مساقاة الآخر، وإن كانت تختلف وساقى على كل واحد، جاز عند مالك دون ابن القاسم، فإن كانت في حائط واحد غير مختلفة يسيرة، ولا يساقي النصف الواحد لقلته فهو كالمختلط، أو كثيرة فكالحوائط‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ تجوز مساقاة ذوات الأصول كالنخل مع غير ذي أصل كالقطاني إذا كان كل صنف ناحية عن الآخر وكانت المساقاة على ما يجوز، أو كانا نقدين فيجوز في ذي أصل، وإن لم يثمر ولم يعجز عنه وفي غير ذي الأصل إذا برزا وعجز عنه بالشروط المتقدمة والخلاف المتقدم، وعن ابن القاسم الجواز في المختلطين إذا كانا متساويين في المساقاة لو أفردا على جزء واحد وكل واحد مقصود في نفسه متناصفا أو قريبا من النصف أو الزرع الأكثر أو النخل الأقل جاز كالمنفرد، وإن كان الزرع الثلث فأقل جازت المساقاة فيه وإن لم يظهر من الأرض ولم يكن يعجز عنه لم

يكن داخلا في المساقاة وعلى مثل النخل على قول مالك‏:‏ لا يجوز إلغاؤه لأحدهما ولا أن يكون جزؤه مخالفا للنخل، وعن مالك القليل كالثمرة في الدار المكتراة وجعله للعامل خاصة، ويمتنع أن يكون بينهما مطلقا، فإن كان النخل في الأكثر فالزرع للعامل أو الزرع الأكثر والنخل الثلث فأدنى فثمرته للعامل وهذا خلاف المشهور عنه‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال مالك‏:‏ عليه بعد الجداد وبقاء نخلات يسيرة سقي الحائط؛ لأنه بقية المدة والأصول، وإذا كانت متأخرة الطيب فكذلك، وكذلك الأنواع المختلفة إذا بقي بعضها، وقال عبد الملك‏:‏ إذا كان المتأخر نخلات متأخرة الطيب فسقي الحائط عليك وقد برئ من الحائط بحصول الطيب الغالب، ويوفى نصيبه من المتأخر الطيب، فإن المتأخر الطيب الأكثر سقاه كله تغليبا للأكثر أو متناصفا سقي المتأخر وحده وسقيت الباقي والثمار المختلفة لمتأخر الطيب مع متقدمه، وقال مطرف‏:‏ إذا جنى صنفا انقضى حكمه قل أو كثر‏.‏

فرع‏:‏ في المنتقى إذا غارت عين المساقاة قبل العمل فلا شيء عليك فيما أنفق العامل إلا ما للمتعدي من النقص فله حصته من الثمرة، وقال عبد الملك‏:‏ يتأخر قدر مالك من الثمرة بعد طرح المئونة إلى وقت البيع وتكلف تعجيل ذلك وإنفاقه، فإن عدمت قيل‏:‏ للعامل أنفق ذلك القدر وتكون حصته من الثمرة رهنا بيدك، وإلا سلم الحائط ولا شيء عليه‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا كانت النفقة كلها عليك والمئونة وهو يعمل بيده بجزء الثمرة امتنع؛ لأنه في التحقيق اشتراط جزء العمل عليك فيمتنع كالقراض‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا ساقيته بعد شهر، فإن اتبعته بما يبقى امتنع؛ لأنه اشتراط الزيادة عليه، وإن ألغيته صح‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا ساقيته على أن الثمرة كلها له جاز كربح القراض، إلا أن تساقيه قبل ذلك بأشهر؛ لأنه بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، قال‏:‏ فإن ألغي جاز عندي‏.‏

كتاب المزارعة‏.‏

وفيه مقدمة وبابان‏:‏ المقدمة في لفظها وهي مأخوذة من الزرع، وهي علاج ما تنبته الأرض؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏أفرأيتم ما تحرثون آنتم تزرعونه أم نحن الزارعون‏)‏‏.‏ وصيغة المفاعلة شأنها ألا تكون إلا من اثنين بفعل كل واحد منهما لصاحبه، مثل ما يفعله الآخر به نحو المضاربة والمناظرة، ومقتضاه هاهنا أن كل واحد منهما يزرع لصاحبه، وليس الأمر كذلك، فيشكل ما تشكل المساقاة، ويجاب هاهنا بما أجيب ثم، ويراجع من هناك‏.‏

الأول في أركانها

وهي ثلاثة‏:‏

الركن الأول والثاني المتعاقدان، وشرطهما أهلية الشركة؛ لأنها شركة،

الركن الثالث‏:‏ المنفعة ولها شرطان‏:‏

الشرط الأول سلامتها عن مقابلة الأرض أو بعضها بما يمتنع كراء الأرض به؛ لنهيه عليه السلام

عن المخابرة‏.‏ وفي الجواهر البذر من عند أحدهما والأرض

من عند الآخر وما عداهما بينهما، أو من عند أحدهما امتنع لمقابلة الأرض بالبذر أو الأرض بينهما بكراء أو ملك، جاز البذر من عند أحدهما أو من عندهما إذا كان مقابلة من العمل والبقر مساوية، أو البذر من عندهما والأرض من عند أحدهما جاز إن ساواه ما يقابله من العمل؛ لأن الأرض مقابلة بالعمل دون البذر، فمتى كان البذر أو جزء منه قبالة الأرض أو جزءا امتنع، فإن أخرج أحدهما الأرض وثلثي الزريعة والآخر ثلثها والعمل والزرع بينهما نصفان أو الثلث والثلثان جاز؛ لأن الأرض وفاضل الزريعة مقابلة بالعمل، فإن أخرج العامل ثلثي الزريعة وصاحب الأرض ثلثها على أن الزرع نصفان امتنع؛ لأن فاضل الزريعة للأرض، فإن أخرج أحدهما ثلثي الأرض وثلث البذر، والآخر ثلث الأرض وثلثي البذر والعمل والزرع نصفان، امتنع لمقابلة الأرض بسدس البذر‏.‏

فرع‏:‏ في الجواهر قال سحنون‏:‏ إنما يشترط من العمل على أحدهما الحرث فقط دون الحصاد والدراس؛ لأنه لا يدري هل تم أم لا‏؟‏ ولا كيف يكون حاله في تمامه يحتاج إلى عمل كثير أم لا‏؟‏ قال التونسي‏:‏ وهو الصواب، ولابن القاسم في الحصاد والدراس خلاف‏.‏

فرع‏:‏ في النوادر قال سحنون‏:‏ إن تعادلا في البذر والعمل -والأرض لأحدهما أعطاه الآخر نصف كرائها عينا أو عرضا جاز، وإن لم يكن لمثلها جاز إلغاؤها بينهما، ولو تعارض في العمل والأرض وباع أحدهما للآخر نصف البذر بثمن،

جاز إذا اشتراه بما يشترى من غيره، ولو كانت الأرض من أحدهما امتنع، إلا أن يكون البذر من صاحبها؛ لأن الأرض حصة من البذر وتكافئهما في العمل امتنع؛ لأنك اكتريت نصف الأرض بنصف البذر، وإذا كانت الأرض بينكما بملك أو كراء وأخرجت البذر والآخر العمل، خالف ابن دينار مالكا في الجواز وجعله كذهب وعروض بذهب، وقال سحنون‏:‏ هذا جائز بخلاف المراطلة‏.‏

الشرط الثاني في الجواهر‏:‏ التعادل بين الأشراك في المخرج أو قيمته بحسب حصصهم، لأحدهما الثلث على أن يخرج أقل من ذلك أو أكثر حذرا من أكل المال بالباطل، إلا في التافه اليسير، فهو في حكم العدم، ولو عقدت على التساوي لم تفسد بما ينفضل به أحدهما بعد ذلك وإن كثر لتقدم الصحة‏.‏ وفي النوادر قال ابن حبيب‏:‏ يمتنع الأرض والبذر والبقر من عندك والعمل عليه والزرع نصفان وان ساوى عمله ذلك كله؛ لأنك أجرته بنصف الزرع، فإن نزل فالزرع لك وعليك أجرة المثل، وكذلك إذا قلت له‏:‏ ازرع بذرك في أرضي وهو بيننا، ولو أخرجت البذر والبقر والآخر العمل والأرض مساواة ولك ثلاثة الأرباع امتنع، للتفاضل والزرع لك وعليك أجرته‏.‏

الشرط الثالث في الجواهر قال سحنون‏:‏ لابد من خلط البذر أو جمعه في بيت أو يحصل الجميع إلى الفدان، فيبدأ كل واحد في طرفه فيزرعان زرعة واحدة كل واحد يزرع للآخر، فهو كما لو جمع في بيت فتصح الشركة حينئذ، وإلا فلا لعدم الامتزاج بوجه ما، والشركة تقتضي السلطنة على ملك الشريك بسبب الشياع والخلط، فلا بد من تحقق السبب بصورة أو معنى، فإن زرع أحدهما بذره في فدان الآخر في ناحية أخرى ولم يدخلا على ذلك، لم تنعقد الشركة لعدم الخلط، ولكل واحد ما أنبت حبه ويتراجعان فضل الأكرية ويتقاصان وقاله‏:‏ ابن حنبل، و‏(‏ش‏)‏ يمنع المزارعة إلا أن يكون البذر من رب الأرض والعمل من العامل ليكون رأس المال من عندك كالمساقاة‏.‏

الثاني في أحكامها‏:‏

وفي الجواهر‏:‏ إذا فسدت وعثر عليها قبل الفوات بالعمل فسخت، فإن فاتت به وقد دفع أرضه لمن يزرعها ببذره وعمله، فالزرع للزارع ببذره وعليه لصاحب الأرض كراؤها، وإن دفعت أرضك والعمل عليه وقلت‏:‏ أخرج البذر وعلي نصفه امتنع، لشرط السلف والزرع بينكما نصفان لضمانكما البذر نصفين وتكافئكما في غيره، ويرجع بنصف الزريعة معجلا، وقال سحنون‏:‏ الزرع لمسلف البذر وعليه كراء الأرض قبض رب الأرض حصته من البذر أم لا، إلا أن يكون أسلفه على غير شرط بعد صحة العقد فيجوز، ولو دفعت بذرك ليزرعه في أرضه على النصف، فعلى قول سحنون‏:‏ الزرع لك وله أجرة عمله وكراء أرضه، وفي قول ابن القاسم‏:‏ الزرع له وعليه مكيلة البذر، وإن أخرجت البذر والآخر الأرض وتكافأتما ما عداهما على أن الزرع بينكما نصفان فهو نصفان وعليك نصف كراء الأرض، وعليه نصف مكيلة البذر ولا تراجع لعدم التكافئ، قال أبو الوليد‏:‏ إذا فاتت المزارعة الفاسدة بالعمل ستة أقوال ولم يخص وجها من وجوه الفساد، أحدها الزرع لصاحب البذر وعليه كراء ما أخرجوه، وثانيها الزرع لصاحب العمل، وثالثها الزرع لمن اجتمع له شيئان، أو انفرد بشيء، فالزرع بينهم سواء لتساويهم، فإن اجتمع لأحدهم شيئان منها، فالزرع له دونهما وهو مذهب ابن القاسم ومحمد، ورابعها الزرع لمن اجتمع له شيئان من ثلاثة‏:‏ الأرض والبقر والعمل، وخامسها الزرع لمن اجتمع له شيئان من أربعة‏:‏ الأرض والبذر والبقر والعمل‏.‏ وسادسها قال ابن حبيب‏:‏ إذا سلمت المزارعة من كراء الأرض بما يخرج منها،

فالزرع على شرطهم ويتعادلوا فيما أخرجوه، وإلا فهو لصاحب البذر، ومنشأ الخلاف النظر إلى قوة السبب، فمن اعتقد قوة سبب جعل الزرع لصاحبه، وفي النوادر أخرجت الأرض ونصف البذر، وآخر نصف البذر، وثالث العمل على أن الزرع بينكم أثلاثا امتنع، لمقابلة الأرض ببعض البذر والزرع بين العامل وبينك - على مذهب ابن القاسم ويغرمان الأجرة للآخر، وعند سحنون هو لصاحبي الزريعة وعليهما كراء البقر والعمل، قال ابن حبيب‏:‏ الزرع بينهم أثلاثا، قال محمد‏:‏ أصل ابن القاسم أنه لمن ولي العمل إذا سلمت الأرض إليه ويعطي كراء الأرض، فإن أخرجت الأرض وآخر البذر، وآخر البقر وآخر العمل امتنع، وهو لصاحب البذر وعليه كراء الثلاثة الأخر‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا اختلفتما في حراث الزرع فهو عليكما والتفضيل والحصاد على قدر الأنصباء إلا أن يشترط في الأرض المأمونة، وإلا امتنع لعدم الوثوق بفعله‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ تجوز مزارعة أرضك وإن لم تكن مأمونة كجواز كرائها بغير نقد فإذا لم ترو أو عطشت فمصيبتها منكما بخلاف المتكاريين؛ لأن المكتري مشتر يجب التسليم له، والشركة تقتضي التساوي في العوارض، فإن استحقت الأرض بعد الزراعة في إبانها رجع المستحق على من كانت بيده الأرض بنصف قيمة كرائها، قال سحنون‏:‏ فإن أخرجت الأرض والبذر والآخر العمل والبقر فاستحقت الأرض بعد الزراعة في إبانها رجع المستحق عليك بنصف كرائها، كأنه حرث له شريكك نصفها وآجره بالربع بنصفها وبنصف البذر، فإن كانت قيمة نصف البذر وكراء نصفها معتدلا رجع عليك المستحق أيضا بربع قيمة عمل

العامل وهو الذي أخذ في كراء نصف الأرض، وإن اختلفت قيمة البذر وكراء نصف الأرض، كان ذلك على هذا الحساب، فإن كنت عديما اتبعك بنصف قيمة كراء الأرض، واتبع شريكك بربع قيمة العمل ولو استحقت بعد فوات الزراعة، فلا كراء له على واحد منكما، ولو كان بعد الحرث وقبل الزرع، فله أخذها ولا شيء للشريك في حرثها‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ أعطيت أرضك وبذرك وبقرك على أن تأخذ البذر وتقتسمان، فادعى أن نصف البذر له صدق مع يمينه والزرع بينكما نصفان وتتراجعان الفضل، قاله‏:‏ ابن القاسم، ولو أخرجت الأرض والآخر العمل والبذر بينكما فادعى الزارع أنه أسلفك نصف البذر صدق مع يمينه؛ لأنه المباشر والزرع تحت يده، وصاحب البذر مصدق والزرع بينكما لاعترافه بالشركة وتتراجحان الفضل قاله‏:‏ ابن وهب ولو أعطيته أرضك حين القلب مناصفة يحرثها، ثم رويت فقلت‏:‏ عليك حرثها فخذ نصف الزريعة مني، وقال‏:‏ إنما حرثت الأرض على أن لي نصفها أحرثها لنفسي أو قال‏:‏ اكتريتها صدق مع يمينه قاله ابن القاسم؛ لأن الحرث عمله ويده عليه، وإذا قلب أرضك وقلت وقت الزراعة شاركتك والأرض من عندي والعمل والقلب عليك والبذر بيننا نصفان، قال‏:‏ قلبتها على أن أقاسمك تزرع نصفها وأزرع نصفها، أو قال‏:‏ اكتريتها صدق لحوزه بعمله، ولو ادعى الشركة والتساوي في الزريعة صدق من صرف البذر من عنده، وإلا صدق العامل؛ لأن الغالب في المزارعة إخراج البذر، ويصدق أبدا من يدعي التساوي والصحة على من يدعي خلاف ذلك، قال ابن حبيب‏:‏ ولو اختلفتما ولم تتحاكما وامتنع رب الأرض من العمل على ما قال فزرع نصفها لنفسه ببذره، وأبقى نصفها لك، فالمزروع بينكما وتترادان الفضل ولك كراء ما تعطل إن ادعيت الاعتدال، كما لو أبطل ذلك بزراعة، وإن كان هو مدعي الاعتدال، فلا كراء عليه بل على المنع من

العمل، كما لو كان ذلك في مزارعة لم يختلفا فيها‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا غلط وكيلك فزرع أرضك ببذر امرأتك، قال ابن القاسم‏:‏ الزرع لك وعليك مكيلة البذر، وقال سحنون‏:‏ يضمن الوكيل؛ لأن العمد والخطأ في أموال الناس سواء، وله ما أخرج البذر من الزرع، إلا أن يزيد على البذر فلك الفضل، وإن لم يخرج شيئا لم يكن له شيء؛ لأنه بذر بالضمان وقد عطب، ولو أمرته بقمح فزرع شعيرا، أو سمراء فزرع بيضاء قال محمد‏:‏ الزرع له لتعديه وعليه الكراء، وإن بذر من عنده مثل بذرك، فالزرع لك لوجود صورة المأذون فيه، وإلا فلا تجبر في إعطائك البذر وأخذ الزرع، لئلا يكون شراء زرع لم يبد صلاحه بما يعطيه، وقيل‏:‏ ينتظر دراس الزرع فيستوفى منه البذر والفاضل لرب الأرض‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا آجرته بقرة بإردب شعير على حرث إردب شعير في أرضك فحرث الإردبين في أرضه بغيرهما، فإن عطب الزرع فلا شيء له، وإن أخرج أكثر من إردبين وإجارة مثله إردب أو أقل، دفع ذلك إليه مع الإردب الذي أخذ منه ودفع ما بقي لرب الزريعة وكانت إجارة مثله أكثر من إردب، لم يزد عليه ورد عليه أحد الإردبين ودفع ما بقي لصاحب الزريعة، فإن لم يخرج إلا إردبا فحوصص به مما أخذ منه ولم يكن له غيره‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال أصبغ‏:‏ إذا بذر أرض جاره غلطا أو بنى في عرصته ولا يعرف ذلك إلا من قوله، فأما الباني فلا يعذر ويعطى قيمة البناء منقوضا أو يؤمر بقلعه، وأما الزارع فله الزرع وعليه كراء المثل وهو على الغلط حتى يتبين عمده، والفرق

من جهة العادة أن سرعة الزرع توجب الغلط، بخلاف البناء فيه التروي، وقال سحنون‏:‏ الزرع لرب الأرض إلا أن يقدر على جمع حبه‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال سحنون‏:‏ من حرث أرضك ليلا غلطا فلا أجرة له؛ لأنه لم يحرث إلا لنفسه، فإن زرع أرضك إذلالا عليك، فلك قلع زرعه في إبان الزراعة والكراء بعد الإبان؛ لأنه متعد‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ آجرته على زراعة إردب في أرضك، فخلطه بإردبه وزرعه، فهو غاصب إن عثر عليه قبل قرب حصاده فلا شيء له؛ لأنه غاصب أو بعد قرب حصاده، فله من الزرع بحصة بذره وعليه الكراء، ولو زرع الإردب في أرض نفسه، فعليه مثله الآن، وإذا درس الزرع أخذت كل ما خرج من بذرك إلا مقدار بذرك؛ لأنك أخذته أو لا تعطيه عمله ومئونته وكراء أرضه‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ إذا اختلط زرع الفدادين عند الحصاد حلف كل واحد منكما على بذره، وتقتسمان الطعام على عدد الكيل‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال سحنون‏:‏ إذا حرثت أرضك قمحا وجارك شعيرا فتطاير البذران لأرض الآخر فهو لمن حصل في أرضه، ولو كان بينكما جسر أو خط فتطاير

البذر فيه فذلك بينكما اتفقت الزريعة أم لا؛ لأن ذلك الموضع من أرضكما‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا حرثا الأرض وغاب أحدهما عند الزراعة، فخاف الآخر الفوات فبذر من عنده، قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ الزرع للباذر، وللآخر كراء الأرض محروثة؛ لأن الزرع للزارع ولو قسم الأرض بحضرة جماعة وحرث في نصيبه، لا ينفعه ذلك وعليه كراء ما زرع إلا أن يقسم بأمر السلطان، فلو زرعها شركة، فقدمت فرضيت جاز كبيع الفضولي، ولو زرعها لنفسه، امتنع أن يعطيه نصيبك من البذر ليكون الزرع بينكما؛ لأنه بيع الزرع قبل بدو صلاحه‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ دفعت أرضك ليزرعها وعليك نصف البذر، يمتنع لأنها شركة بشرط - والزرع بينكما وتتكافآن في الكراء والعمل، وهو مصدق في البذر، إلا أن يأتي بما لا يشبه، وفي قول سحنون‏:‏ إذا شرط السلف للزرع له، يأخذ البذر وعليه الأجرة‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ فإن أعطيته ثمن نصيبك من البذر فادعى بعد الزرع عدم الشركة وأنه لم يشتر لك شيئا بل زرع لنفسه، لم يصدق والزرع بينكما، فإن صدقته خيرت بين مكيلة الطعام وكنت شريكا، أو أخذ الثمن الذي دفعته له والزرع له - قاله‏:‏ ابن القاسم، وقال يحيى بن عمر‏:‏ إذا صدقته أو قامت البينة فالزرع له ويمتنع رضاك؛ لأنه شراء للزرع له قبل بدو صلاحه‏.‏

فرع‏:‏ قال أخرجت الأرض والبذر، والآخر البقر والعمل على أن له مكانا معينا - والباقي بينكما يمتنع للغرر، والزرع في قول سحنون لصاحب البذر، وعليه كراء البقر وغيره، وكذلك إن شرط أجرة معلومة‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال سحنون‏:‏ لا يخرج أحدهما قمحا والآخر شعيرا أو صنفا آخر؛ لأن التساوي في المخرج صفة ومقدارا شرط، فإن نزل فلكل واحد ما أنبت بذره، ويتراجعان الأكرية، وعنه جواز ذلك إذا استوت القيم‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال سحنون‏:‏ في أرضين إحداهما بالشام والأخرى بمصر يجوز على أن يزرعا هذه ثم يذهبا لتلك فيزرعاها، ويمتنع أن يخرج بذر هذه والآخر بذر تلك؛ لأن شرط الشركة التساوي والخلط‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ يكفي في صحة الشركة أن يحمل البذر إلى الفدان ويبذر كل واحد في طرفه فيزرعان بذر أحدهما في فدان أو بعضه، وزريعة الآخر في الناحية الأخرى، فإن لم تنبت إحدى الزريعتين فعليه مثل نصف بذر صاحبه إن علم ولا عوض له في بذر صاحب البذر الفاسد لفساده، وإلا فله نصف بذره على أنه لا ينبت وعليه مثل نصف بذر النابت - والزرع بينهما غره أم لا، ولو علم الغرور منه في الإبان فضمانها منه، ويخرج مكيلتها فتزرع ثانيا ولا غرم على الآخر،

وإن لم يغر أخرجا قفيزا آخر فزرعاه - إن أحبا وهما على الشركة – قاله‏:‏ سحنون لصحة العقد أولا، وعنه إذا لم تنبت إحداهما بطلت الشركة ولكل واحد ما أنبت بذره غره أم لا، لتبيين عدم خلط البذر أولا، ولو اشتريت بذرا جيدا والآخر رديئا فتجاوزته فزرعت ببذرك ثلاثة فدادين وزرع ببذره فدانين ثم شاححته، قال ابن القاسم‏:‏ يؤدي كل واحد لصاحبه ثمن نصف بذره، وعن يحيى بن يحيى إذا صح العقد ثم أخرجت بذرك فزرعته في موضع، وأخرج الآخر بذره فزرعه فلم ينبت، فهو بينكما والنابت لكما إذا لم يغر من بذره؛ لأنه فساد لم يقصده ويتراجعان الأكرية‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا امتنع أحدكما من التمادي على ما دخل عليه أجبر قاله‏:‏ سحنون؛ لأن الشركة عنده تلزم بالعقد وقال ابن القاسم‏:‏ إن لم يبذر لم يجبر وإلا أجبر، فإن عجز عمل شريكه، وإذا طاب الزرع باع واستوفى حقه، فإن فضل اتبع به لقيامه عنه بما يلزمه، وقال محمد‏:‏ ليس لهما التفاضل ولا أن يولي أحدهما حصته للآخر ولا لأجنبي؛ لأنه بيع الزرع قبل بدو صلاحه‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ قال محمد‏:‏ تمتنع الشركة في أرض زرع بعضها إلا فيما لم يزرع منها؛ لأنه بيع للزرع قبل صلاحه‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ لو ذهب السيل بالزرع في الإبان فأردت إعادة البذر وأبى الآخر لم

يجبر؛ لأن عملكما قد تم بخلاف ذهاب البذر قبل الزرع أو الثور أو العبد، فلو أخرجت أرضك نصف البذر، والآخر العمل ونصف البذر - فقلب الأرض في إبان الزراعة فدفعها لآخر ليخرج عنه نصف البذر والعمل، فالزرع بينك وبين الآخر وسقط الأوسط، لعدم ما به الشركة منه‏.‏

فرع‏:‏ قال لو غبت وزرعها ببذره ولم تحضر زريعة، فالزرع له وعليه الكراء، ولو جئت بالبذر بعد الزرع امتنع أخذه لبطلان الشركة لعدم الخلط وهو الآن بيع الزرع قبل بدو صلاحه ولو قلت‏:‏ اقرضني البذر وأنا أعطيه لك الآن امتنع‏.‏

فرع‏:‏ قال‏:‏ إذا كان عليك الحرث فقلت‏:‏ حرثة، وقال‏:‏ حرثتين، حملتما على سنة البلد، فإن عدمت فما قلته؛ لأن الأصل عدم الزائد‏.‏